ارجع واسترده

في برازافيل، يمشي رجلٌ بدلة مزدوجة الصدر بلون أخضر نعناعي كأنه نصل. ينجلي الأطفال في طريقه، وحذاؤه نظيفٌ إلى درجة تجعله نظريّاً. سيجارة في يد، وخاتمٌ ذهبي يلمع كأنه يحمل كلاماً. هذه هي السابولوجيا! فنٌّ يرتدي الأناقة لهجةً؛ تحيّةٌ ساحرةٌ لحطام ما بعد الاستعمار.

بدأ الأمر بإعادة مزج البدلات الفرنسية بالأرواح الكونغولية. الجسد لا يلبس من أجل البقاء، بل من أجل السينما. هؤلاء الرجال، السابور، لا يكتفون بارتداء الملابس، بل يستحضرون الأرواح: قمصانُ حريرٍ، وأزرار أكمامٍ، وعصيّ، وتنسيقات ألوان من وحي الأحلام أو الحمى.

هذا ما يحدث حين يصبح الجمال مقاومة، والموضة سحرًا مضادًا.

اقفز الآن إلى هارلم، 1986. واجهة متجر مفتوحة عند الثالثة فجراً، وضوءٌ كشافٌ يطنّ في الزقاق. بداخله: جلدٌ، وشعاراتٌ متلاطمة، وجوعٌ للتميز. كان دابر دان يمزّق شعارات غوتشي ولويس فويتون مثل الجراح، يحول العلامات إلى دروع. بيوت الأزياء وصفته سرّاقًا، وهارلم رأت فيه نبوءة.

زبائن دان كانوا مغنّين راب، وموزّعين، ومقاتلين—ملوك بلا تيجان، فخاط لهم دان تيجانًا من الخيوط. لا تنتظر الإذن حين لا يُسمح لك بدخول المكان. ظهرت ثياب دان كأنها ثروةٌ قبل أن تلحق بها الصناعة. ولما لحقوا، كان الأوان قد فات، فقد وُجّهت الرسالة.

ما هي السترة إن لم تكن بياناً؟

في أقل من 0.03 ثانية نصل من هارلم إلى بيروت. الاقتصاد دخانٌ يتصاعد نحو أفقٍ متصدّع. ومع ذلك، في الشارع: حلاقات شعرٍ متقنة، وأظافر مصقولة بلا عيب، وحذاء بالنسياغا، وبنادق M1 سوداء غير مؤمّنة. الجميع في اللعبة. تزيّين الملابس كاستراتيجية خروج. لا مال، لكن هناك جوهرٌ، وهو عملةٌ بحد ذاته. ربما الأخيرة المتبقية.

هنا أيضًا، الجمال آلية بقاء. إذا لم يوفّر الدولة إطارًا، فنحن نلبس كأننا الدولة.

الزينة ليست غروراً، إنها رمز. الخاتم ذكرى. السلسلة إشارة. تعيش المجوهرات عند تقاطع الجلد والأسطورة. ما نرتديه يحمل ما ننجو به. اسألوا السابور ذا ربطة العنق القرمزية. اسألوا البيروتي ذا الخاتم الماسي. اسألوا دان الذي يرتدي بدلة الميت غالا المزركشة التي تحمل علامة سانكوفا: عد واحصل عليها !

بقلم عامر شمعة

السابق
السابق

قبلة قبلة، نقرة نقرة

التالي
التالي

ضد الصمت