قبلة قبلة، نقرة نقرة

١٨٩٦. تطلق استوديوهات إديسون فيلم القبلة: ثماني عشرة ثانية بطيئة، شبه عسلية، من التقاء الشفاه تحت أضواء المسرح بين مي إروين وجون رايس. تطالب الكنيسة بالحذف، ويهمس الأخلاقيون بـ«وحشي»، ولكن طوابير التذاكر تزداد. تتحول الفضيحة إلى أسطورة: أول قبلة في السينما.

إلا أنّها لم تكن كذلك.

قبل أعوام، في ثمانينيات القرن التاسع عشر، كان إدوارد مويبريدج منشغلاً بتفكيك الزمن إلى إطارات. كانت دراساته الحركية هي اللبنات الأولى للسينما: تسلسل صور ثابتة تتحول إلى حركة—حصان يركض، رجال يقفزون، نساء يصعدن السلالم. ثم يأتي الفاصل المحظور: امرأتان عاريتان، مصافحة تتحول إلى قبلة صامتة. مجرد كيمياء خام محتجزة في خزنة أرشيف معنونة «دراسة حركة» قبل أن يمتلك العالم لغة ليصف ما يراه.

من كانتا؟ لا تخبرنا الأراشيف. ربما عارضات أو مؤديات استُخدمن في تجارب مويبريدج الفوتوغرافية. لم تُسجل أسماؤهن، ولم تُمنح قُبلتهن عنوانًا. لم يُطلق عليها أحد فنًّا. أُرشفت بلا تعليق، غير مرئية لأن المجتمع لم يكن قادرًا على التعامل معها.

قبلة إديسون المغايرة - رجل وامرأة - توافق الحكاية المقبولة، فظهرت في العناوين. ثنائيّة مويبريدج المثلية صعقت الدائرة؛ كان لا بد من خنقها بالصمت.

هذا صمت فرضه ذاتُهُ الأنظمة التي تقرر ما يُرى، وما يُتذكر، وما يُهمّ. ولا تزال هذه الأنظمة قائمة إلى اليوم.

الرغبة الآمنة تُصفق لها الجماهير؛ والرغبة التي تهز القفص تُعزل.

وهكذا، اختفت القبلة الحقيقية الأولى في السينما خلف أشباح التاريخ.

ومع ذلك، حتى في الظلام، تستمر تلك الصور الخارجة عن القانون في التنفس. دليل أن الشرارات الأشدّ حدة تحترق طويلًا بعد أن تخفت أضواء المسرح.

بقلم عامر شمعة

السابق
السابق

حالة جوتا هيب - موسيقى الجاز في العصر النازي.

التالي
التالي

ارجع واسترده